البرد وتداعياته المرضية:
يعتبر فصل الشتاء من الفصول التي يصاحبها الكثير من التغيرات في الجو، مما يسبب تأثيرات سلبية على صحة الإنسان. ومع انخفاض درجات الحرارة، تظهر مجموعة من المشاكل الصحية التي قد تتفاوت في حدتها، حيث يصبح الجسم أكثر عرضة لمجموعة من الأمراض والتحديات الصحية بسبب البرد القارص.
إن التأثيرات الصحية للبرد لا تقتصر على الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة فقط، بل تشمل معظم الأفراد، إذ يساهم الجو البارد في ضعف وظائف الجسم الطبيعية ويزيد من احتمالية الإصابة بالعديد من الأمراض، سواء كانت أمراضاً فيروسية، تنفسية، أو أمراضاً تتعلق بالدورة الدموية. سنقوم في هذا المقال باستعراض كيفية تأثير البرد على الجسم، والأمراض المرتبطة به، وكيفية الوقاية منها.
التأثيرات الفيزيولوجية للبرد على الجسم
عندما تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير، يقوم الجسم بمحاولة الحفاظ على حرارته الداخلية عبر تقليص الأوعية الدموية في الأطراف مثل اليدين والقدمين، وهذا يؤدي إلى تقليل تدفق الدم إلى الأجزاء البعيدة من الجسم. وبالتالي، فإن البرد يؤثر على الدورة الدموية وقدرة الجسم على تحمل درجات الحرارة المنخفضة.
يشعر الجسم في البداية بالبرودة، وقد يعاني الشخص من قشعريرة نتيجة محاولته التفاعل مع البرد عبر تحفيز العضلات لإنتاج حرارة إضافية. إذا استمر التعرض للبرد دون تدفئة، قد يصاب الشخص بحالة تُعرف باسم “تجمد الأطراف”، وهي عبارة عن انخفاض شديد في درجة حرارة الجلد والأنسجة المحيطة به.
الأمراض التنفسية الناتجة عن البرد
أحد أبرز التأثيرات التي يسببها البرد هي الأمراض التنفسية. في الأجواء الباردة، تتقلص الأوعية الدموية في الجهاز التنفسي، مما يقلل من قدرة الجسم على مقاومة العدوى والفيروسات. كما أن الهواء البارد والجاف يؤدي إلى جفاف الأغشية المخاطية في الأنف والحلق، ما يسهل دخول الميكروبات إلى الجسم.
الإنفلونزا ونزلات البرد:
الإنفلونزا ونزلات البرد هما أكثر الأمراض التنفسية شيوعًا في فصل الشتاء. يتسبب الفيروس في تهيج الأنف والحنجرة والشعب الهوائية، ما يؤدي إلى ظهور أعراض مثل السعال، والعطس، والحمى، والآلام العضلية. يتسبب البرد في ضعف جهاز المناعة، مما يجعل الجسم أكثر عرضة للعدوى الفيروسية.
التهاب الشعب الهوائية:
يعد التهاب الشعب الهوائية من الأمراض الشائعة خلال موسم البرد، حيث يصاب الشخص بسعال جاف أو مصحوب بالمخاط، وأحيانًا يصاحب ذلك ضيق في التنفس. يتسبب البرد في تهيج الشعب الهوائية ويؤدي إلى زيادة الإفرازات المخاطية، مما يزيد من صعوبة التنفس.
الربو:
يؤثر البرد بشكل سلبي على الأشخاص الذين يعانون من مرض الربو، حيث تزداد نوبات الربو بسبب الهواء البارد والجاف الذي يؤدي إلى ضيق في الشعب الهوائية. في بعض الحالات، قد تتطلب الحالة العلاج الطبي العاجل.
أمراض القلب والأوعية الدموية:
إن انخفاض درجات الحرارة يسبب زيادة في الضغط الدموي وتصلب الشرايين، ما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض القلبية. في فصل الشتاء، يزداد معدل الإصابة بالأزمات القلبية والسكتات الدماغية، خاصة عند الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في القلب أو الأوعية الدموية.
ارتفاع ضغط الدم:
تشير الدراسات إلى أن انخفاض درجة الحرارة يؤدي إلى تضيق الأوعية الدموية، ما يرفع ضغط الدم، خاصة عند كبار السن. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم حالات مرضية مثل فشل القلب، والسكتة الدماغية، والنوبات القلبية. وبالتالي، يجب على الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب توخي الحذر في الأجواء الباردة.
الجلطة القلبية والسكتة الدماغية:
في الطقس البارد، يصبح الدم أكثر سمكًا وقد يتخثر بسرعة أكبر، ما يزيد من خطر حدوث الجلطات القلبية والسكتات الدماغية. تتسبب درجات الحرارة المنخفضة في زيادة الضغط على القلب، خاصة إذا كان الشخص يعاني من أمراض قلبية سابقة.
المشاكل الجلدية في البرد:
تؤدي البرودة إلى جفاف الجلد وتقشيره، بالإضافة إلى زيادة احتمالية تعرض الجلد للالتهابات. تتأثر البشرة بشكل خاص عند تعرضها للهواء الجاف والبارد لفترات طويلة، مما يؤدي إلى جفاف الشفاه، وتقشر اليدين، وزيادة احتمالية إصابة الجلد بالشقوق.
التهاب الجلد التأتبي:
يمكن أن يتسبب الطقس البارد في تفاقم حالات التهاب الجلد التأتبي (الإكزيما)، حيث يزيد من جفاف الجلد وتشققه. يعد هذا المرض أكثر شيوعًا في الشتاء، ويظهر على هيئة بقع حمراء ومؤلمة على الجلد.
قضمة الصقيع:
في الحالات الشديدة من البرد، يمكن أن تتعرض الأطراف مثل الأصابع والأذنين والأنف إلى قضمة الصقيع، وهي عبارة عن تجمد الأنسجة مما يؤدي إلى تلف دائم إذا لم يتم التعامل معه بسرعة. يتطلب علاج قضمة الصقيع تدفئة الأنسجة المتأثرة بطريقة تدريجية، وإذا تم تركها دون علاج قد يؤدي ذلك إلى تلف دائم في الأنسجة.
مشاكل الجهاز الهضمي:
إن التغيرات المناخية التي ترافق البرد قد تؤثر أيضًا على الجهاز الهضمي. يصبح الأشخاص في الأجواء الباردة أكثر عرضة للإصابة بمشاكل في المعدة والأمعاء نتيجة لتغير النظام الغذائي وقلة النشاط البدني.
الإمساك:
يسبب الطقس البارد قلة النشاط البدني، مما يؤدي إلى انخفاض حركة الأمعاء ويزيد من احتمالية الإصابة بالإمساك. ينصح بتناول كميات أكبر من الألياف وشرب الماء لتجنب هذه المشكلة.
حرقة المعدة:
الأشخاص الذين يعانون من حرقة المعدة قد يلاحظون زيادة في الأعراض في فصل الشتاء. تعود هذه المشكلة إلى تناول الأطعمة الدسمة أو الحارة التي يتم تناولها في الشتاء، بالإضافة إلى الاستهلاك المفرط للمشروبات الساخنة التي قد تؤدي إلى ارتجاع الحمض.
كيف يمكن الوقاية من الأمراض المرتبطة بالبرد؟
الوقاية من الأمراض الشتوية تتطلب بعض الإجراءات التي يجب اتباعها لضمان صحة الجسم في الظروف الباردة. من بين أهم التدابير الوقائية التي يجب اتباعها:
-
التدفئة الجيدة: التأكد من تدفئة الأماكن السكنية بشكل جيد وتغطية الجسم بملابس دافئة، خاصة الأطراف.
-
الحفاظ على النظافة الشخصية: غسل اليدين بشكل منتظم للوقاية من العدوى الفيروسية التي تنتشر بشكل أكبر في الشتاء.
-
التغذية السليمة: تناول الأطعمة الغنية بالفيتامينات والمعادن التي تعزز من قوة الجهاز المناعي، مثل الفواكه والخضروات.
-
التمارين الرياضية: ممارسة التمارين البدنية الخفيفة لتحفيز الدورة الدموية والحفاظ على صحة القلب.
-
الترطيب الجيد: يجب على الأشخاص الحرص على ترطيب البشرة بشكل منتظم باستخدام الكريمات المرطبة.
الخاتمة
يعد البرد من العوامل البيئية التي تؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان، وتظهر تداعياته في شكل أمراض متنوعة تتراوح بين الأمراض التنفسية، القلبية، الجلدية، والهضمية. ولذا، يجب أخذ الحيطة والحذر خلال فصل الشتاء، والاهتمام بممارسات الوقاية المناسبة للحد من التأثيرات السلبية للبرد. باتباع أساليب الوقاية المناسبة، يمكن تجنب العديد من المشاكل الصحية المرتبطة بالأجواء الباردة، والحفاظ على صحة جيدة طوال فصل الشتاء.
